فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال شرحبيل بن سعد: أصحاب الأعراف قوم خرجوا في الغزو من غير إذن آبائهم.
ورواه الطبري بسنده إلى يحيى بن غيل مولى لبني هاشم عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال «هم قوم قتلوا عصاة لآبائهم فمنعهم قتلهم في سبيل الله عن النار ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلو الجنة» زاد في رواية «فهُم آخر من يدخل الجنة» وذكر ابن الجوزي: إنهم قوم رضي آباؤهم دون أمهاتهم وأمهاتهم دون آبائهم.
ورواه عن إبراهيم وذكر عن أبي صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنهم أولاد الزنا، وقيل: إنهم الذين ماتوا في الفترة وفيه بعد لأن آخر أمر أصحاب الأعراف إلى الجنة وهؤلاء الذين ماتوا في الفترة والله أعلم بحالهم وهو يتولى أمرهم وقيل إنهم أولاد المشركين الذين ماتوا أطفالًا وهذا القول يرجع معناه إلى القول الذي قبله لأنه داخل في حكمه فهذه الأقوال تدل على أن أصحاب الأعراف دون أهل الجنة في الدرجات وإن كانوا يدخلون الجنة برحمة الله تعالى.
وقال مجاهد: أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء فعلى هذا القول إنما يكون لبثهم على الأعراف على سبيل النزهة أو ليرى غيرهم شرفهم وفضلهم وقيل إنهم أنبياء حكاه ابن الأنباري وإنما أجلسهم الله على ذلك المكان العالي تمييزًا لهم على سائر أهل القيامة وإظهارًا لفضلهم وعلو مرتبتهم وليكونوا مشرفين على أهل الجنة والنار ومطلعين على أحوالهم ومقادير ثواب أهل الجنة وعقاب أهل النار.
وقال أبو مجلز: أصحاب الأعراف ملائكة يعرفون الفريقين بسيماهم يعني يعرفون أهل الجنة وأهل النار، فقيل لأبي مجلز: إن الله تعالى يقول وعلى الأعراف رجال وأنت تقول إنهم ملائكة فقال إن الملائكة ذكور ليسوا بإناث وضعَّف الطبري قول أبي مجلز قال: لأن لفظ الرجال في لسان العرب لا يطلق إلا على الذكور من بني آدم دون إناثهم ودون سائر الخلق وحاصل هذه الأقوال أن أصحاب الأعراف أفضل من أهل الجنة لأنهم أعلى منهم منزلة وأفضل.
وقيل: إنما أجلسهم الله في ذلك المكان العالي ليميزوا بين أهل الجنة وبين أهل النار والله أعلم بمراده وأسراره كتابه.
قوله عز وجل: {يعرفون كلًا بسيماهم} يعني: أصحاب الأعراف يعرفون أهل الجنة بسيماهم وذلك ببياض وجوههم ونضرة النعيم عليهم ويعرفون أهل النار بسيماهم وذلك بسواد وجوههم وزرقة عيونهم والسيما العلامة الدالة على الشيء وأصله من السمة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرفوا ببياض الوجوه وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه.
فإن قلنا إن أصحاب الأعراف من استوت حسناتهم وسيئاتهم وهم دون أهل الجنة في الدرجة كان وقوفهم على الأعراف ليكونوا درجة متوسطة بين الجنة والنار فإذا رأوا أهل الجنة وعرفوهم ببياض وجوههم ونادوهم أن سلام عليكم وهو قوله تعالى: {ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم} يعني: نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة أن سلام عليكم يعني سلمتم من الآفات وحصل لكم الأمن والسلامة وإذا رأوا أهل النار يعرفونهم بسواد وجوههم {قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} وإن قلنا: إن أصحاب الأعراف هم الأشراف والأفاضل من أهل الجنة كان جلوسهم على الأعراف ليطلعوا على أهل الجنة وأهل النار ثم لينقلهم الله عز وجل إلى الدرجات العلية في الجنة.
وقوله تعالى: {لم يدخلوها وهم يطمعون} يعني في دخول الجنة.
قال الحسن: ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وبينهما حجاب} أي بين الفريقين لأنهم المحدّث عنهم وهو الظاهر، وقيل: بين الجنة والنار وبهذا بدأ الزمخشري وابن عطية وفسر الحجاب بأنه المعنى بقوله فضرب بينهم بسور وقاله ابن عباس: ويقوي أنه بين الفريقين لفظ بينهم إذ هو ضمير العقلاء ولا يحيل ضرب السّور بعدما بين الجنة والنار وإن كانت تلك في السماء والنار أسفل السافلين.
{وعلى الأعراف رجال يعرفون كلًا بسيماهم} أي وعلى أعراف الحجاب وهو السّور المضروب {رجال يعرفون كلًا} من فريقي الجنة والنار بعلامتهم التي ميّزهم الله بها من ابيضاض وجوه واسوداد وجوه أو بغير ذلك من العلامات أو بعلامتهم التي يلهمهم الله معرفتها و{الأعراف} تل بين الجنة والنار، قاله ابن عباس، وقال مجاهد: حجاب بين الجنة والنار، وقيل: هو أحد ممثل بين الجنة والنار روي هذا في حديث وفي آخر «أنّ أحدًا على ركن من أركان الجنة»، وقيل: أعالي السّور الذي ضرب بين الجنة والنار قاله الزمخشري، والرجال قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم وقفوا هنالك ما شاء الله، لم تبلغ حسناتهم بهم دخول الجنة ولا سيئاتهم دخول النار، وروي في مسند ابن أبي خيثمة عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث فيه قيل يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته قال: «أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون»، وقاله ابن مسعود وابن عباس وحذيفة وأبو هريرة، قال حذيفة بن اليمان أيضًا هم قوم أبطأت بهم صغائرهم إلى آخر الناس، وقيل غزاة جاهدوا من غير إذن والديهم فقتلوا في المعركة وهذا مرويّ عن الرسول أنهم حبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم وأعتقهم الله من النار لأنهم قتلوا في سبيله، وقيل: قوم رضي عنهم آباؤهم دون أمهاتهم أو بالعكس، وقيل: هم أولاد الزنا، وقيل: أولاد المشركين، وقيل: الذين كانوا في الأسر ولم يبدّلوا دينهم، وقيل: علماء شكوا في أرزاقهم، وقال الزمخشري: رجال من المسلمين من آخرهم دخولًا في الجنة لقصور أعمالهم كأنهم المرجئون لأمر الله يحبسون بين الجنة والنار إلى أن يأذن الله لهم في دخول الجنة، وقال ابن عطية: واللازم من الآية أنّ على أعراف ذلك السور أو على مواضع مرتفعة عن الفريقين حيث شاء الله رجالًا من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين {يعرفون كلا} بعلامتهم وهي بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة وسوادها وقبحها في أهل النار انتهى، والأقوال السابقة تحتاج إلى دليل واضح في التخصيص والجيّد منها هو الأوّل لحديث جابر ولتفسير جماعة من الصحابة وهذه الأقوال هي على قول من قال إنّ {الأعراف} هو بين الجنة والنار، وفي شعر أمية بن الصّلت:
وآخرون على الأعراف قد طمعوا ** في جنّة حفّها الرمّان والخضر

وقال قوم: إنه الصراط، وقيل: موضع على الصراط، وقال قوم: هو جبل في وسط الجنة أو أعلاها واختلف هؤلاء في تفسير رجال، وقال أبو مجلز: ملائكة في صور رجال ذكور وسمّوا رجالًا لقوله: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلًا} وقال مجاهد والحسن هم فضلاء المؤمنين وعلماؤهم، وقيل: هم الشهداء وقاله الكرماني: واختاره النحّاس، وقال هو أحسن ما قيل فيه، وقيل: حمزة والعبّاس وعلي وجعفر الطيّار، وروي هذا عن ابن عباس، وقيل: هم الأنبياء.
{ونادى أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربّنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.
الظاهر أن الضمير في ونادوا إلى آخر الآية عائد على الرّجال الذين على الأعراف وعلى هذا لا يمكن أن تكون تلك الضمائر للأنبياء ولا لشيء مما فسر به أنهم على جبل في وسط الجنة أو أعلى الجنة وفي غاية البعد ما تؤول من ذلك ليصح شيء من تلك الأقوال أنهم أجلسوا على تلك الأماكن المرتفعة ليشاهدوا أحوال الفريقين فيلحقهم السرّور بتلك الأحوال ثم إذا استقر الفريقان نقلوا إلى أمكنتم التي أعدّت لهم في الجنة فمعنى {لم يدخلوها} لم يدخلوا منازلهم المعدّة لهم فيها ومعنى {وهم يطمعون} يتيقّنون ما أعدّ الله لهم من الزلفى وقد جاء الطمع بمعنى اليقين قال: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} وطمع ابراهيم عليه السلام يقين.
وقال الشاعر:
وإني لأطمع أنّ الإله ** قدير بحسن يقيني يقيني

وأما قول من قال: إنّ الأعراف جبل بين الجنة والنار فقد طعن فيه القاضي والجبائي وقالا: هو فاسد لأنّ قوله: {بما كنتم تعملون} يدلّ على أنّ كل من دخل الجنة لابد أن يكون مستحقًا لدخولها وذلك يمنع من القول بوجود أقوام لا يستحقّون الجنة ولا النار ثم يدخلون الجنة بمحض الفضل لا بسبب الاستحقاق ولأن كونهم من أهل الأعراف يدّل على ميزهم من جميع أهل القيامة فإنّ إجلاسهم على الأماكن المرتفعة العالية على أهل الجنة والنار تشريف عظيم لا يليق إلا بالأشراف ومن تساوت حسناته وسيئاته درجته قاصرة لا يليق بهم ذلك التشريف، وأجيب بأنه يحتمل أن يكون ونودوا خطاب مع أقوام معينين فلا يلزم أن تكون أهل الجنة والنار و{أنّ سلام} يحتمل أن {أن} تكون تفسرية ومخففة من الثقيلة ولم يدخلوها حال من المفعول أي ناداهم وهم في هذه الحال يعني أهل الجنة وهم يطمعون جملة خبريّة لا موضع لها من الإعراب أي نادوا أهل الجنة غير داخليها ثم أخبر أنهم طامعون في دخولها قال معناه أبو البقاء، وقيل: المعنى ونادى أصحاب الأعراب أصحاب الجنة بالسلام وهم قد دخلوا الجنة وأهل الأعراف لم يدخلوها فيكون قوله: {لم يدخلوها} حالًا من ضمير ونادوا العائد على أهل الأعراف فقط وهذا تأويل ابن مسعود وقتادة والسدّي وغيرهم، وقال ابن مسعود: والله ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لخير أراده بهم وهذا هو الأظهر والأليق بمساق الآية، وقال ابن مسعود أيضًا: إنما طمع أصحاب الأعراف لأنّ النور الذي كان في أيديهم لم يطفأ حين طفئ نور ما بأيدي المنافقين، وقيل: {وهم يطمعون} حال من ضمير الفاعل في {يدخلوها} والمعنى لم يدخلوها في حال طمع لها بل كانوا في حال يأس وخوف لكن عمّهم عفو الله.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ما محل قوله: {لم يدخلوها وهم يطمعون}؟ قلت: لا محلّ له لأنه استئناف كأنّ سائلًا سأل عن أصحاب الأعراف فقيل له {لم يدخلوها وهم يطمعون} يعني أنّ دخولهم الجنة استأخر عن دخول أهل الجنة فلم يدخلوها لكونهم محبوسين وهم يطمعون لم ييأسوا ويجوز أن يكون له محل بأن يقع صفة انتهى، وهذا توجيه ضعيف للفصل بين الموصوف وصفته بجملة ونادوا وليست جملة اعتراض وقرأ ابن النحوي وهم طامعون، وقرأ إياد بن لقيط وهم ساخطون. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وبينهما حجاب} أي بين الفريقين كقوله تعالى: {فضرب بينهم بسور} أو بين الجنة والنار ليمنع وصول أثر إحداهما إلى الأخرى {وعلى الأعراف} أي على أعراف الحجاب وأعاليه وهو السور المضروب بينهما جمع عرف مستعار من عرف الفرس وقيل: العرف ما ارتفع من الشيء فإنه بظهوره أعرف من غيره {رجال} طائفة من الموحدين قصروا في العمل فيجلسون بين الجنة والنار حتى يقضي الله تعالى فيهم ما يشاء، وقيل: قوم علت درجاتهم كالأنبياء والشهداء والأخيار والعلماء من المؤمنين، أو ملائكة يرون في صور الرجال {يعرفون كلا} من أهل الجنة والنار {بسيماهم} بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها كبياض الوجه وسواده، فعلى من سام إبله إذا أرسلها في المرعى معلمة، أو من وسم، بالقلب، كالجاه من الوجه، وإنما يعرفون ذلك بالإلهام أو بتعليم الملائكة {ونادوا} أي رجال الأعراف {أصحاب الجنة} حين رأوهم {أن سلام عليكم} بطريق الدعاء والتحية أو بطريق الإخبار بنجاتهم من المكارة {لم يدخلوها} حال من فاعل نادوا أو من مفعوله وقوله تعالى: {وهم يطمعون} حال من فاعل يدخلوها أي نادوهم وهم لم يدخلوها حال كونهم طامعين في دخولها مترقبين له، أي لم يدخلوها وهم في وقت عدم الدخول طامعون. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} أي بين الفريقين كقوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} [الحديد: 13] أو بين الجنة والنار حجاب عظيم ليمنع وصول أثر إحداهما إلى الأخرى وإن لم يمنع وصول النداء أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا.